الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
محمد بن صالح العثيمين مجموع فتاوى ورسائل - 7 المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}. أما بعد: أيها الإخوة فإننا في هذا المكان مسجد قباء الذي هو كما وصفه الله بقوله: هذا المسجد، الذي قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام :
هذا المسجد الذي قام من قام من المنافقين، وأشباه المنافقين من أجل أن يقيموا مسجدًا آخر يكون مضارًا له
وإننا مع الأسف نرى كثيرًا من المسلمين اليوم لم يحققوا هذا الإخلاص لم يحققوا هذه الشهادة التي يقولونها بألسنتهم ويطلقون بها في كل مكان كلهم يقولون : أشهد أن لا إله إلا الله ولكن نجدهم يقومون بضد هذه الشهادة لأنهم يدعون غير الله إما من الملائكة، أو المرسلين أو الأولياء الصالحين أو من الأولياء المدعين. إذًا هل حققوا لا إله إلا الله؟ والله عز وجل يقول: مسني السوء إن أنا إلا بشير ونذير لقوم يؤمنون} إذا كان كذلك فمن الخطأ الفادح أن يتجه إنسان إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليسأل الله، أو لقبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقضي حاجته، أو يدفع ضرورته، إنه إذا كان على الأمر الثاني يتجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليقضي حاجته أو يفرج كربته إن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل والذي قال الله فيه: والذي قال الله فيه: أما إذا كان يدعو الله عز وجل ولكنه يتجه إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن هذا لا يصل إلى حد الشرك الأكبر ولكنه خطأ إن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرعه الله ورسوله والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع. إذا كنت تدعو رب السموات جلَّ وعلا فاتجه إلى أمر بالاتجاه إليه اتجه إلى بيته الحرام ولا تتجه إلى بيت الرسول اتجه إلى بيت من تدعو وهو الله عز وجل لا إلى بيت من لا يملك لك نفعًا ولا ضرًا وهو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. والحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نسكت على هذا الأمر ولا ينبغي لنا أن نعالجه إلا بالحكمة، العنف لا يجدي شيئًا . لكن الحكمة واللين يجدي الإرشاد والدعوة بالمنقول والمعقول هذا الذي يثمر كثيرًا فلو أننا شاهدنا أحدًا يقول هكذا أو يفعل هكذا ، في مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعوناه بلطف ، ولين وبينا له وقلنا له : من تدعو فإما أن يدعو الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يدعو الله فإذا كان يدعو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو مشرك لأن الله تعالى يقول فنقول له: لماذا؟ هل بيت الرسول أحب إليك من بيت الله إن قال: نعم فهو على خطر، وإن قال: بيت الله أحب إلي ، قلنا له : اتجه إلى بيت الله عز وجل إلى قبلته التي فرض الله على المسلمين أن يتجهوا إليها في اليوم خمس مرات هذا هو أحق أن يتجه إليه من قبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذًا اتجاهك إلى القبر من أجل أنه قبر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا أمر مرجوح وطرف راجح فهو قد أقر بأن بيت الله أحب إليه من بيت الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا كان كذلك فاتجه إلى بيت الله لأنك تسـأل الله فاتجه إلى بيت الله لا إلى بيت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فإن قال: أنا أتجه إلى بيت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون وسيلة لي عند الله سبحانه وتعالى. قلنا له: الرسول عليه الصلاة والسلام قد انقطع عن أعمال التكليف ولا يستطيع أن يدعو لأحد أبدًا لأن الدعاء عمل وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام نفسه. وبقي المطر أسبوعًا كاملًا ثم دخل ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله أن يمسكها عنا فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير بيده الكريمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وخرجوا يمشون في الشمس الله أكبر. هذا من آيات الله الدالة على سمعه للدعاء، وعلى قربه من الداعي وعلى قدرته على كل شيء سبحانه وتعالى وهو في نفس الوقت آية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث استجاب الله دعاءه لأنه رسول فأيد بإجابة الدعاء فيكون هذا من آياته الدالة على صدقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى صحة رسالته، فأما بعد موته فلا يمكن ولهذا أعلم الناس بهذا الأمر من هذه الأمة هم الصحابة، ومع ذلك لما قحط في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هل قال: يا رسول الله ادع الله لنا أن يغيثنا؟ كلا والله ولا يمكن أن يقول ذلك لأن هذا ليس بالشرع ولا بالعقل أن تقول لميت ادع الله ولكنه قال للعباس بن عبد المطلب : قم يا عباس ادع الله فدعا فأغيثوا والعباس حي وكل إنسان يرجى قبول دعوته فلا حرج عليك أن تقول: يا فلان ادع الله لي وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في أعظم موقف من مواقف الخلق في المقام المحمود الذي يبعثه فيه الله عز وجل لا يمكن أن يتكلم بكلمة إلا بإذن الله، إذا لحق الناس من الكرب والهم والغم ما الله به عليم ذهبوا إلى آدم يسألونه أن يشفع إلى الله ليريحهم من الموقف فيعتذر، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى حتى تصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولكنها إذا وصلت إليه لا يمكن أن يشفع إلا بعد إذن الرب عز وجل بعد إذن الرب الذي هو ملك الملوك والذي سلطانه لا نظير له ولا مداني له (من) اسم استفهام بمعنى النفي، والاستفهام إذا جاء بمعنى النفي كان أعظم وأبلغ لأنه يكون مشربًا بالتحدي فإن قولك: ولا يشفع أحد نفي بـ لا لكن قوله : في هذا البلد الطيب الذي كان هذا المسجد مسجد قباء لما بني مسجد الضرار حوله نهى الله نبيه أن يقوم فيه لأنه يراد به التفريق بين المؤمنين والمضارة لهذا المسجد الذي أسس على التقوى، والتفريق والإرصاد لمن حارب الله ورسوله فإذًا نقول : كل شيء يضاد ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يشبه مسجد الضرار بل إن مضارة المزاحمة في القلوب أشد من المضارة في المزاحمة في الأماكن علينا أن نكون أمة واحدة يدعو بعضنا بعضًا إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى تحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وشهادة أن محمدًا رسول الله من أكبر مقتضياتها اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ظاهرًا وباطنًا ومن لا يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام ولو أخلص لله فإنه لم يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله لم يحققها ولا يقبل منه حتى مع الإخلاص يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا كان كذلك فالإخلاص ليس كل شيء لابد مع الإخلاص أن ينضم إليه المتابعة، المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام بحيث لا يجعل الإنسان أحدًا شريكًا مع الرسول عليه الصلاة والسلام في التشريع للخلق ولو كان من أكبر أئمة المسلمين لو كان أبا بكر وعمر فلا يجوز أن نجعله شريكًا مع الرسول عليه الصلاة والسلام في التشريع قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقولون: قال أبو بكر وعمر وقال الله عز وجل: قال الإمام أحمد: (أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) وهو كذلك لأنه إذا رد بعض قول الرسول عليه الصلاة والسلام فلابد أن يكون عن هوى وإذا كان عن هوى فالهوى شرك إذًا من لم يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لم يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله، وعدم اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام على نوعين: أحدهما: أن يقدم قول غيره عليه يعلم هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه يقدم قول غيره عليه، وهذا يوجد كثيرًا في المتعصبين للمذاهب سواء كانت المذاهب مذاهب فقهية علمية أو مذاهب فكرية اعتقادية فإن بعض المتعصبين تعرض عليه هدي الرسول عليه الصلاة والسلام واضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار ولكن يقول : قال فلان كذاوقال فلان كذا ، يقول الإمام أحمد رحمه الله يقول مستنكرًا: (1) إذا قيل لهم هذا هدي الرسول عليه الصلاة والسلام. قالوا : لكن قال فلان كذا وكذا من الذي أرسل إليكم أفلان أم رسول الله محمد؟ إن قال فلان كفر وأعلن بكفره وإن قال محمد نقول : ما قيمة الرسالة عندك وأنت تقدم هدي غيره على هديه إذا كان رسولك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلتكن متبعًا له متأدبًا بين يديه. أما النوع الثاني: من المخالفة لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام فأن يشرع في دين الله ما ليس فيه، يفعل شيئًا يتقرب به إلى الله، ولكن الرسول ما شرعه فهذا لم يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله لو حقق شهادة أن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ذهب يبتدع في دين الله ما ليس منه لأن ابتداع الإنسان في دين الله ما ليس منه يتضمن الاستدراك على الله ورسوله فإن هذا استدراك على الله متضمن لتكذيب هذه الجملة العظيمة أين كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذا الأمر الذي تدين لله به وتتعبد لله به أين كان؟ أكان جاهلًا به؟ إن قلت : نعم فقد رميته بالجهل، أكان مخالفًا له؟ إن قلت : نعم فقد رميته بالمخالفة أكان كاتمًا له عن أمته؟ إن قلت : نعم فقد رميته بالكتمان، فإذا كان الأمر كذلك وكل اللوازم باطلة، فإنه يلزم من ذلك أن يقول : كل بدعة يتدين بها الإنسان إلى الله من عقيدة في القلب أو نطق باللسان أو عمل بالأركان فإنها عقيدة باطلة وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام (كل بدعة ضلالة). وهذه جملة مسورة بكلمة (كل) التي هي أدل ألفاظ العموم على العموم ليس فيها تخصيص، والله لو وقعت هذه في كتاب واحد من الذين يقلدون لكان كل من أخرج بدعة من هذه الكلية يقال له : أين الدليل؟ ولكن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام المحكم البين الواضح يحرف ويقال: هذا عام يراد به الخاص، نحن نستحسن أن نعبد الله بهذا لأن قلوبنا ترق عنده ولأن هذا ينشطنا ولكن نقول : والله لو كان خيرًا لشرعه الله لعباده، ترقيق القلب لهذه البدعة يوجب أن يقسو عن السنة لأن القلب وعاء إن ملأته بخير امتلأ به وإن دخل على هذا الخير شر فلابد أن يضايق الخير فيخرج، لو كان عندك إناء مملوء بماء ثم صببت عليه ماء آخر هل يجمع الجميع لابد أن يخرج فإما سنة وإما بدعة، ولهذا نقول لكل من في قلبه إخلاص وحب للدين وحب للرسول عليه الصلاة والسلام نقول له: جزاك الله خيرًا على هذه المحبة وعلى هذا الإخلاص، ولكن من تمام الإخلاص أن تعتقد بأنه لا خير للإنسان فيما يتعبد به الله إلا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلماذا تطلب الخير في غيرهما؟، فيما جاء في كتاب الله، وفيما صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من العبادات، كفاية لصلاح القلوب والأبدان والأفراد والجماعات ولكن أين القلوب التي تتلقى هذا؟ من القلوب ما هو كالزجاجة أي شيء يرد عليه ينكسر، ومن القلوب ما هو كالإسفنجة يقبل ولكنه صامد لا يتجزأ ولا يتكسر إلا أنه يميز الحق من الباطل فنقول لمن ابتدع بدعة في دين الله سواء كانت قولًا باللسان أو عقيدة بالجنان، أو عملًا بالأركان نقول : كتاب الله موجود وسنة الرسول عليه والصلاة والسلام موجودة مهذبة قد بين صحيحها من سقيمها وطريق السلف الصالح موجود والحمد لله فلماذا نبتدع في عقيدتنا ؟ لماذا نبتدع أذكارًا ما أنزل الله بها من سلطان؟! لو كان كل من راق له شيء أو زين في قلبه شيء مما يتعبد لله به، تعبد الله به أتكون الأمة واحدة؟ أبدًا تتفرق لكن هناك ميزان فالحاصل أيها الإخوة أننا في هذه البلدة الطيبة طيبة مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام مهاجر الرسول عليه الصلاة والسلام أول عاصمة إسلامية في هذه الشريعة العامة الكاملة الشاملة هذه البلدة الطيبة التي فيها هذا المسجد (مسجد قباء) وفيها المسجد الذي هو خير منه مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن) شرطية، فعلها (يطيعوا) وجوابها (يرشدوا) إذًا ففي طاعة هذين الرجلين رشد لأنهما خليفتا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووزيراه رضي الله عنهما وأرضاهما أقول : في هذا البلد ينبغي أن نكون أمة واحدة ندعو إلى الحق بإذن الله على صراط مستقيم، وإذا رأينا شيئًا لا نحقر أنفسنا ونقول : لا نستطيع هؤلاء معاندون هذا خطأ هؤلاء الذي يظهر لنا من حالهم أنهم يريدون الخير لكن ما كل من أراد شيئًا وفق له ما كل ما يتمنى المرء يدركه علينا أن نصبر وأن نصابر وأن ندعو بالتي هي أحسن بقدر ما نستطيع، لا نصمت على منكر أو على بدعة، لكننا لا نعنف، لأن الأهواء في هذا الزمان كثرت وكل إنسان يقول : الحق عندي أو عند متبوعي، ولكن إذا أتينا بالحكمة وباللين وبالسهولة وبالبيان المبني على المنقول والمعقول، وإنني بهذه المناسبة أقول : إن تعظيم الناس الآن للمعقول ليس كل الناس ولكن كثيرًا منهم يعظمون الدليل العقلي أكثر مما يعظمون الدليل النقلي أو يرجعون بالأصح إلى الدليل العقلي أكثر، ونحن نعلم علم اليقين أن كل ما جاءت به الشريعة فإنه مبني على العقل لكن أي عقل هو؟ العقل الصريح أي السالم من الشبهات والشهوات وليس العقل المشوب بشبهة أو شهوة، بشبهة التبس عليه الحق أو بشهوة ظهر له ولكن لا يريده فكل ما جاءت به الشريعة فإنه موافق لصريح المعقول ولا شك ولا يمكن أبدًا أن يخالفه حتى إني رأيت في كتاب [درء تعارض النقل والعقل] لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو كتاب عظيم قال فيه ابن القيم في النونية : ويريد بما في الوجود من الكتب المؤلفة في بابه رأيته يقول: (2)
|